لا نريد تعازيكم. لا نريد تعاطفكم الزائف. نطالب بتحركٍ فوريًّ لتشديد القوانين ضد العنف الجنسيّ”. هذا ما كُتِبَ على اللافتات التي حملها المتظاهرون في الهند احتجاجًا على حادثة الاغتصاب الجماعيّ التي تعرّضت لها فتاة هنديّة في حافلة عامة.
في التفاصيل أنّ الفتاة الهنديّة، وهي طالبة جامعيّة تدرس العلاج الفيزيائي في إحدى جامعات نيودلهي، كانت قد استقلّت حافلة في 16 ديسمبر/ كانون الأول مع صديقها بعد متابعتهما فيلمًا في إحدى دور السينما، تعرّضت الفتاة للاغتصاب أثناء سير الحافلة من عدّة أشخاص وللضرب المبرح هي وصديقها وأُلقيا من الحافلة، وقد اعتقلت الشرطة أربعة من المشتبه بهم الستّة بينهم السائق وشقيقه. لم تحتمل الفتاة الإصابات الخطيرة التي تعرّضت لها في جسدها ومخّها وتوفيت فجر السبت 29 ديسمبر/ كانون الأول في مستشفى سنغافورة حيث كانت نُقِلت لتلقي علاجٍ خاص.
وفي حين أنّ لا السلطات الهنديّة ولا المستشفى أفصحتا عن اسم ضحية الاغتصاب الجماعي، إلّا أنّ المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجًا للتنديد بما تعرّضت له، كانوا يطلقون عليها اسم “داميتي” ويعني “المضيئة” باللّغة الهنديّة كما أنّه اسم أحد أفلام بوليوود عام 1993، يتناول قصة فتاة كانت تعمل خادمة، تعرّضت للاغتصاب.
إنّ ما سبق ليس مسلسلًا تركيًّا تعود البطلة فيه قويّةً لتحاسِب (في إشارة إلى مسلسل “فاطمة” التركي الذي تتعرّض البطلة فاطمة فيه للاغتصاب الجماعي من قبل ثلاث شبابٍ)، في مسلسل الواقع تموت البطلة متأثرةً بجراحها.
إنّها لحادثة مؤلمة قد تحدث مع أي فتاةٍ في العالم، في ظلّ هذا المجتمع الذكوريّ الذي ما انكفأ عن النظر إلى المرأة كأداة إشباعٍ لشهوة الرجل.
في مجتمعنا العربيّ، تتحوّل الفتاة التي تتعرّض للاغتصاب من ضحيةٍ إلى مذنبةٍ، فبنظر المجتمع لقد ساهمت في الوصول إلى ذلك المصير من خلال تصرّفٍ أو فعلٍ أو كلامٍ ما. لذلك غالبًا ما تجدها تصمت على ما تتعرّض له لأنه “عيب” في نظر المجتمع أو بالأحرى “عيب” أن تخبر عمّا حدث معها؛ فتجدُ بعض الأهل يتكتّمون على الحادثة ويهرعون بابنتهم إلى طبيبٍ يعيد ترميم غشاءٍ انفضّ ويُهمل جرحًا وألمًا في الروح لا يرمّم بسهولة.
إنّ التستّر على جرم الاغتصاب لهو جرمٌ أكبر منه وبابٌ مشرِّعٌ للمغْتَصِب على إشباع نزواته دون خوفٍ من المحاسبة. ومن يَطّلع على بعض مواد قانون العقوبات اللبنانيّ يجد في المادتين 522 و 503 انتهاكًا واضحًا لحقوق المرأة.
تنصّ المادة 522 من قانون العقوبات على التالي:
“اذا عقد زواج صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاغتصاب – اغتصاب القاصر – فض بكّارة مع الوعد بالزواج – الحضّ على الفجور – التحرّش بطفلة – التعدّي الجنسي على شخص ذي نقص جسدي او نفسي…) وبين المُعتدَى عليها أوقفت الملاحقة واذا كان صدر الحكم بالقضية علّق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه”.
أما المادة 503 من قانون العقوبات اللبناني، فتنص على التالي: “من أكره غير زوجه بالعنف وبالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقّة خمس سنوات على الاقل”.
تظهر هنا أيضًا مشكلة تشريع القانون اللبنانيّ للاغتصاب الزوجي واعتبار جسد المرأة من ممتلكات الزوج حيث يحقّ له التصرف فيه كيفما يشاء دون أي مراعاة لمشاعر المرأة وكيانها الإنساني.
لا يختلف اثنان أنّ “داميني” ليست الوحيدة، مثلها كثيرات في مجتمعنا العربي. لذلك لم يخطىء متظاهرو الهند عند مناداتهم بتشديد القوانين ضد العنف الجنسيّ. فللأسف لا تزال المرأة مضطهدة رغم الحركات التحرّرية و النسوية التي تعمل جاهدةً إلى إحداث تغييرٍ في واقع الحال، إنّها مضطهدة من القانون ومن المجتمع. لذلك نحن بحاجة إلى إنشاء الجيل الجديد على احترام المرأة وتقديرها من منطلق الانسانية، لا أكثر ولا أقل.
نور زاهي الحسنية
2012-12-30
[hr]