لقد بدأت فترة الإمتحانات في المدارس والجامعات في لبنان ومعها الخوف من السقوط والرغبة في النجاح. لا يتربى الطفل أو الطفلة على إتقان العمل الإبداعي، على إنتاج الفكر والعمل لأجل مصلحة الوطن، بل طمعاً في النجاح أو خوفاً من الفشل. يتربى الشاب أو الشابة على الترغيب في المكافأة والترهيب بالعقاب، والطمع في الجنة والخوف من نار الجحيم، لا على الثقة بالنفس وبالآخرين.
تؤدي هذه الثقافة إلى تشويه الإنسان إذ يصبح سلعة في ساحة منافسة غير صحية. قد اثبتت عدة دراسات علمية نفسية عن الإبداع أن التربية القائمة على الترغيب والتخويف لا تنتج شيئاً مفيداً، بل أفراداً ومجتمعات مريضة تعيش في حالة مونولوج لا حالة حوار بناء، في حالة المحكوم بالحاكم ولا تبادل من أجل صياغة الفكر وتطويره.
أصبح شعبنا آلة إستقبال في جميع المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية، وفي عصرنا الفائق السرعة المعلوماتية، آلة إستقبال معلومات مبعثرة دون الرغبة في تحليلها ودون إمكانية تحول “الصامت” إلى “ناطق” وهذا الناطق من “تابع” إلى مواطن مبدع ومنتج.
لا أميز هنا بين المرأة والرجل. الغيت في بلدنا ثقافة الإبداع لتحل محلها ثقافة العنف، اللامبالة، الماديات، التبعية، الطاعة، ثقافة “طعامنا في يد غيرنا” ومعونات وقروض وإنتظار ما يدفعه السياح الأجانب – أين السياح؟
جوهر المجتمع المتقدم هو الصدق وإستقلال الرأي وبناء الشخصية الفردية المساهمة في خلق مجتمع أفضل وأكثر عدلاً وحرية وإستقلالاً. جوهر المجتمع المتقدم هو تربية الأطفال والشباب ليصبحوا مواطنين لهم عقل مبدع، ليس مجرد أفراد بلا إرادة ولا كرامة، ليس مجرد أجساد تعرى أو تغطى، تصمت أو تهرب من التصدي والنقد البناء، تتوارث النفاق والقيم الإزدواجية في السلوك – أي الخضوع وإمتهان النفس مع الأقوى، والتسلط مع الأقل قوة.
“ما العمل؟ المسألة محبطة”… هذا ما أسمع من معظم تلاميذي في الجامعة. المسألة ليست الإكتئاب أو الإحباط. المسألة هي رفض الصمت، لأن الصمت إشتراك في الجريمة – أي ختان العقل، أبشع الجرائم الإنسانية. المسألة هي إحياء حركة فكرية جديدة في لبنان، بعيداً عن الملكيين والإطناب والنفخ في الأبواق والمزامير، بعيداً عن نخبة أنصاف الآلهة الذين لا يعتبرون سلوكهم نفاقاً ولهم تبريراتهم الفلسفية العميقة لموضوع النفاق – أي حماية الحكم ألقائم لأن “البديل غير موجود أو أسوأ”.